درس الحياة الأول

لستُ أدري أين نسيتُ الفرحة
التي دسّتها بتلهف طفلة كنتُها
حين لاحظت في إنعكاس المرآة
خلخلة سنها
ولم تجدها بعد حين
في يد غريبة تمسكها:
 هذه السن الصغيرة
ماعادت ملكي،
هذا الشيء الأبيض
ماعاد ذو قيمة ..
لست أدري إن كنت نسيت الفرحة يومها
 أم نستني
وتجاوزت طفلة
تلقت درس حياتها الأول.

يوميات ممزقة

هذا الضحى

الشمس ساطعة بشدة

والسماء الزرقاء

بيضاء

وهناك حيث علقت عيناي

مرّت سحابة.

***

هذا المساء

في الطريق

حيث كدت أن أدهس بقدمي

لعاب مبصوق

لم يفقد بريقه بعد

توجّعت نملة.

***

هذه الليلة

وقفت أمام المرآة

أبحث تارة تحت لساني

وتارة وراء كبدي

عن الفجوة التي يوماً

كان فيها قلبي.

Beheaded Venus (آلهة الحب)

عندما اتكئ ديسمبر

على ظهر البيت المتداعي بآخر شارعنا

خابت المدفئة وقُبل الزوج

في حني مبسم زوجته

وبسط قبضتها

فصرخ الرعد

وسال المطر

بينما إكتظ المقهى القائم بأول الشارع

حيث يسرد أوسم رواده كل مساء

ذات النكتة الرديئة

على مسامع حبيبته

التي كانت تصغي لوقع المطر

ولم تبتسم

صرخ طويلاً

وتخاصما

وسمعتُهما

من نافذة غرفتي المقابلة

حيث أتسمر أمام الكومبيوتر

أتأمل صورة آلهة الحب بصبراتة

مجاورة بريدي الخالي من رسائلكَ

وأتسائل:

بحق الحب يا ڤينوس، أين فرّ رأسك؟

img_20161202_003730
صورة من محرك البحث قوقل لآلهة الحب ڤينوس بصبراتة – ليبيا

عن ورشة عمل أساسيات المناظرة

حاولتُ التّملص في الأيّام الماضية من وعدي بكتابة مقالة عن تجربتي مع ورشة عمل “أساسيات المناظرة” الّتي أقيمت ببلديّة الجّفرة بداية شهر نوفمبر الحالي، محاولتي هذه لم تكن بسبب انشغالي بالدّراسة بقدر ما كانت بسبب خوفي من ألّا أكتب بشكل وافٍ عن أربعة أيام شديدة الكثافة، فبعيداً عن مجالي الدّراسي العلمي وعن قوانين الطبيعة، أنا أؤمن بأنّ بعض الأيّام أشد كثافة وأكثر تركيزاً من الأخرى، وقد كانت أيّام الورشة السّخية بالأخذ والعطاء من ناحية المادّة العلميّة، وباذخة بصداقات جديدة واعدة دليلاً على ذلك.  وهكذا، لذات السّبب الذي جعلني أحاول التّملص، وبسبب شعوري بالامتنان لكلّ من كان جزءاً من هذه التجربة، قرّرت أن أوفِ بوعدي.

%d8%a3%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d8%b4%d8%a9

أُقيمت ورشة العمل بمدينة هون بتنظيم من المجلس الثّقافي البريطاني بالتّعاون مع جمعية شباب التّغيير الحضاري ضمن المشروع الإقليمي لصوت الشّباب العربي الّذي يعمل على تأسيس منابر للأصوات العربية الشّابة. قام المدرّبان المعتمدان من قِبل صوت الشّباب العربي ونادي الحوار والمناظرة عبد الرّحمن الزّوبية ومحمد أبو سنينة بطرح المادّة العلمية للورشة بشكل احترافي وممتع على 25 متدرب/ـة من نشطاء المجتمع المدني وطلبة الجّامعات من مختلف مدن الجّفرة. 

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%a8-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af
صورة من اليوم الثالث يظهر فيها المدرب محمد أبو سنينة وهو يوضح بعض أساسيات المناظرة للمتدربين

شعرتُ بالحظ يقف إلى جانبي وأنا واقفة بينهم، فالمعلومات الّتي أغدق بها المدرّبان علينا حفّزت نقاشات شيّقة بيننا كانت غنيّة ومثمرة، كما تخلّلت العشرين ساعة الّتي قضيناها معاً تمارين جماعيّة وفرديّة منوّعة لتعزيز فن الإلقاء لدينا والقدرة على الإقناع والتّحكم في لغة الجسد وسرعة البديهة وما إلى ذلك.  مارسنا المادّة المعطاة عمليّاً كمناظرين وميسّرين لمجموعة من المناظرات التدريبيّة التي تنوّعت مقولاتها، أُقيمت بثلاثة مباني (نماذج) عالميّة قياسية للمناظرة هي: مبنى البرلمان البريطاني ومبنى كارل بوبر ومبنى ميس الممدّد. كان المدرّبان يعقّبان على أداء الجميع مما ساعد على سرعة التّطور وترابط الحجج المطروحة وقوة فحواها في وقت قصير.

%d8%aa%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%86-1
خلال تمرين يساعد على تطوير سرعة البديهة أشرف عليه المدرب عبد الرحمن الزوبية

في اليوم الأول وخلال نقاشنا لأهداف المتقدّمين المرجوّة من هذا التّدريب، بحتُ للجميع -بصراحة مع بعض الخجل- أنني لا أجيد إطــالة أحاديثي مع من يخالفني الرّأي، ليس انفعالاً وتعصّباً لرأيي، لكنني ببساطة أفقد اهتمامي بأفكار الرّأي الآخر بسرعة.  لكن من خلال تجربتي مع برنامج صوت الشّباب العربي، كان عليّ في بعض المناظرات أن أؤيد ما أعارض من أفكار وأن أعارض ما أؤيد، واستطعت في كلتا الحالتين استنباط إيجابيات المواقف الّتي لا تمثّلني، وأخذ سلبيات آرائي الشّخصية في عين الاعتبار بحياديّة أكبر.  المناظرة تجعلنا ندرك كلٌ من مأساويّة التّطرف في قناعاتنا وأهميّة تقدير الرّأي الآخر وتقبّله، ولهذا فإننا كليبيين في أمسّ الحاجة اليوم لنشر ثقافة المناظرة واتّخاذها كأسلوب حياة من أجل تحقيق حلمنا بدولة تحضننا بمختلف توجهاتنا.

%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b8%d8%b1%d8%a9-%d8%aa%d8%af%d8%b1%d9%8a%d8%a8%d9%8a%d8%a9-2
صورة لأول مناظرة تدريبية أقيمت بالورشة في ثاني أيامها

شهد حفل الختام الّذي أقيم عشيّة آخر أيّام التّدريب مناظرة علنيّة ساخنة بين 6 من المتدرّبين، طُرحت فيها مقولة “هذا المجلس سيفصل كلّيات بلديّة الجّفرة عن جامعة سرت”، كانت مناظرة حماسيّة جدّاً قُدّمت فيها حجج قويّة أحدثت تغييراً في الرّأي العام للحضور الذي تجاوز عدده المئة.

لا أحد يفضّل قراءة أو سماع الكلمات والأوصاف المبتذلة، لكننا ندرك جميعاً أنّها صارت مبتذلة لسبب ما، حيث يصعب علينا إيجاد ما هو أصدق منها في وصف مشاعرنا العظيمة، لهذا سأكتب بصدق وبكلّ بساطة أنّه يصعب عليَّ تصديق أنّ “20 ساعة فقط” قادرة على صناعة كل هذا التّغيير الهائل الذي شهدته في نفسي وفي الجّميع، وأنّه رغم قصرها إلّا أنّها حضنت الكثير من الذّكريات الجميلة -التي لن أنساها لوقت سيطول كثيراً- جمعتنا مدرّبين ومنسّقين ومتدرّبين، ورغم مرور وقت لا بأس به منذ ورشة العمل إلّا أنّي لا أزال مغمورة بالحب والامتنان اللذان كلّلا آخر أيّام الورشة حين لم يرغب أيٌّ منّا بمغادرة المكان الذي جمعنا كأسرة صغيرة محبّبة.

%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%ad%d9%81%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%aa%d8%a7%d9%85

أخيراً، تقديراً منّا للرسالة العظيمة التي أوصلها لنا المدرّبان ولإيماننا بقوّة الكلمة الّتي نراها الوسيلة الحقيقيّة لصنع التّغيير، فإنّ لقاءاتنا هنا بالجّفرة لم تنقطع منذ بداية الورشة، سعياً لتأسيس نادي بالمنطقة يعزّز من لغة المناظرة والحوار لتشهد بلادنا أخيراً نهاية للتعصّب وللغة السّلاح وليُحدث صوتنا المسموع تغييراً حضارياً سلميّاً يليق بليبيا.

30.نوفمبر.2016

نوستالجيا

لا أجيد ممارسة الأفعال التي تنم عن الإنتماء، ولا الإنتماء يجيد اللعب بردود أفعالي، لكنني كلما زرت هذا البيت العتيق شعرت بالحاجة لملامسة شروخ جدرانه، وللإحساس ببسمة جدتي وغرّة جدتي وحضن جدتي -التي لم أقابلها يوماً- في زوايا المكان.

كلما زرت مدينة هون القديمة شعرت بأنني النخلة المعطاء التي لطالما إقتات عليها سكان المدينة والتي سقوها ماءاً وحباً وغَزَلاً، أو أغنية حزينة صدحت بها حناجر الأمهات وسكنت نسيم الليل، أو تربة زنقة بيت جدّي التي رقص الأطفال عليها حفايا منتشين كل عشيّة، متجاهلين واجباتهم المدرسية التي يكتبونها ليلاً على ضوء الفنار متنشقين دخانه غير نادمين.

image
صورة إلتقطتها من فوق سطح بيت جدي في فبراير الماضي، في يوم عادي لا يشابه زياراتي المُصَاحبة بصخب المهرجان عادةً

image
شارع النخلة، المعروف بشارع النّوار

رمضان، جداً – بالليبي

مزال 7 ساعات على آذان المغرب، من عادتك إنك تنوض قبل ساعة فقط من موعد الإفطار، لكن الشمس أول ما طلعت اليوم قررت إلقاء ثقل أشعتها عليك بعدما لقاتك قبالتها مفرّش تحت الروشن بعد صلاة الفجر بحثاً عن نسمة ماتعرف طريقها لمدينتك صيفاً بس لعلها تزور أحلامك أثناء النوم.

تلود الحوش ووسادتك في يدك، تستقر في دار القعاد لأنك تظن إنها أبرد مربوعة في الحوش، لكن بعد ربع ساعة تستاقظ حموان على أنفاس بقية أفراد الأسرة، الكل لجأ لبرودة دار القعاد المزعومة.

تطلع للصالة وبعد محاولات فاشلة في النوم على الكنبة والتحديق الممل في عقارب الساعة تشد كتاب أمس بديت فيه تدور أحداثه في مدينة الزاوية، بطل الرواية يحب البحر ويعوم في البحر ويلجأ بإستمرار ليه، إنت مستمتع بالكتاب لكن التناقض بين الحالة يلي عايشها جسدك المغمور بعرقك وخيالك المصاحب للبطل الغاطس في أعماق البحر منرفز، تحط الكتاب بدون وضع المؤشر في الصفحة يلي وصلتها كردة فعل لا طائل منها، ردة فعل وخلاص!

تشد مروحة السعف وتمروح، تفكر في عبثية هذه اللحظة حيث يتشابه خدر حالتي النوم واليقظة، وعبثية سائر حياتك حيث لا فرق حقيقي بين الفناء والوجود، وربما هوان الحالة الأولى من كلا الأمرين؟!

مروحة السعف تصفعك بوهج إنت في غنى عنّه لكنك تمروح على كل حال، تشوف للساعة، مزال 7 ساعات إلا ثلث على موعدك مع طاسة ميّة مصققققعة، وربما في سيناريو أفضل، موعدك مع تييييييت *صوت المكيف* أيضاً.

قيلولة لم أستيقظ منها بعد

لماذا كلما شاهدتَ وجهك النّضِر في المرآة تذكرت جاركم العجوز الذي تُنسيه شكواه من هذا الزمان التذمرَ إزاء صحته المتدهورة، والذي يوشم حنينُه للماضي وجهَه بالتجاعيد؟

هي الحرب فقط التي لا تستحي من توشيح الصغير بملامح الشيخوخة ودس الكثير من الرماد والدموع في عينيك الفضوليتين اللتين لم تريا الكثير من العالم بعد!

تنهب منك كل ما تخلّست سابقاً من رضى في لحظات سعادة مزعومة، وتُخفض من السقف الذي يعلو سحابات خيالك وتُحيطك بأسوارٍ تضيق بك وتوبّخك كلما تيقّظت من قيلولة وحاولتَ تمديد أطرافك الشاحبة التي ما عاد الدم يتذكر سبيله إليها فيعود النعاس يدغدغك لتدوم قيلولتك بدوام هذه الحرب اللعينة.

أتسائل ماذا ستفعل الحرب بك وبي وبجاركم الذي سئم عدّ أيامه؟ وأتسائل ماذا سنفعل نحن حيالها وحيال من إنتشلوا ورود الأحياء لزرع الألغام؟ وماذا سنفعل حيال من دفعتهم فرحة مادامت للعودة لبيوتهم لتسكن أخيراً أشلائهم أركاناً مختلفة من البلاد؟

جنازات تحيي أصحابها

13231143_806457932820226_210840591_n
إلتقطت هذه الصورة لـ (مشاركتكم) جنازة جمال تليق بكم، حيث تظهر السرايا الحمراء بطرابلس والشمس تغرب وتدنو لتغازلها ولتقبل سطح الماء برقة.

أحياناً تلح عليا الحاجة للبكاء في لحظات جميلة كهذه، قد أحاول كبحها لتخرج أخيراً على شكل تذمرات لا داعٍ لها فيظن رفاقي بأنني لا أقدّر هكذا جمال أو أعكره، ولا ألومهم!

كل ما في الأمر أنه كما تقابل كلمة “الجمال” كلمة “القبح” في القاموس الثقيل جداً بمكتبتنا، فإنه عندما يتجسد الجمال أمامي فهو ينافس كل ما يقبع في ذاكرتي من قبح، ويواسيني في كل ما مات مني وجرجرته معي حتى هذه اللحظة ليردمه بتفاصيلها بشكل لائق، بأصوات المارّين ورطوبة الجو والتمايل الأنيق لسعف النخيل، بالبلاطات التي تحتضن كمّ من تاريخ ليبيا، وبأشعة الشمس التي تحتضر بدورها لتخفف من وطأة هذه اللحظة لتصير أثقل بقليل فقط من قاموسنا.

تقديس لحظات الجمال بالنسبة لي لا يكمن في عدد الصور التي ألتقطها وقتها والتي أتخلص منها ما أن ينبهني جهازي بإمتلاء ذاكرته التي لا أريدها بديلاً لجنازاتي هذه التي تهبني قدر أكبر من الحياة، ولهذا السبب تحديداً مات ما كان مني متولع بفكرة إمتلاك كاميرا إحترافية، والذي دفنته في جنازة صغيرة كهذه ما عدت أذكر تفاصيلها.

آه، ذاكرتي هي الأخرى تتخلص من لحظات كان يجدر بي تقديسها بشكل أفضل، ولا أفلح في تصيّد عزاء هذه المرة!

فضفضة غير مجدية وصور جميلة

حلّ الربيع وعصافير أمّي تموت الواحدة تلو الأخرى، الفاعل هذه المرة ليس القطة السوداء التي إستوطنت شوارع حيّنا وسكنت جنانات بيوتنا رغم الإمتعاض والمحاولات الفاشلة في نفرها، ورغم تعوّذ الصغار من الشيطان الرجيم عند رؤيتها إيماناً بأن القطط السوداء هي شياطين تحاول التقرب منّا، فالقطة السوداء مشغولة بما وضعت عند فناء الجيران من قطط صغيرة ولطيفة مادامت تعجز عن الإقتراب من عصافير أمّي، ولأنها لم ترث لون أمها الذي كان ليجعل منها شياطيناً هي الأخرى.

الربيع في مدينتي مرتبط بالطقس السّيء، المكانس لا تتوقف عن تطويق المنازل دون فائدة تُلاحَظ، الغبار يحتضن الأثاث ويقبّل العيون دون توقف، والورود الصفراء تلاصق بحياء الجدران  كأنها إثم التراب.

الربيع في قلبي مرتبط بالكثير من الكآبة ولا أفلح في تجاهل ذلك، الأمر السخيف في الموضوع هو رسوماتي القديمة حيث تتبعثر بسذاجة درجات اللون الأخضر والسماوي تحت عنوان  “الربيع” في دفاتري الخاصة بالمدرسة، والتي ختمت بدرجات تامّة (10/10) من قِبل معلماتي، بأيدٍ خشّنها طقس ربيعنا الجاف، أيدٍ رغم ذلك تصنع كعك الربيع أو الكعك الهوني كما يسميه البعض كل ربيع إنعاشاً لمظاهر الحياة، أيد تكحل عيون بناتها الصغار وتلبسهن الثوب الأسود والمزركش بالحرير الملوّن إحياءاً للربيع.

 

 

ما الذي كنت لأرسمه الآن تعبيراً عن العبء الغير مبرر الذي يتربع صدري في هذه الفترة من كل عام؟ عن عصافير بيتنا التي ماتت ضجراً وعن القطة السوداء الأقل حظاً من صغيراتها؟ عن صغار مديتني الذين يتعوّذون من الشيطان عند رؤيتها والذين لا يملؤون دفاترهم بألوان الكعك البيضاء والصفراء فرحاً بربيعٍ يخطئ الموعد كل ربيع؟


الصور المضافة من مراسم إحتفالات الربيع بهون  تصوير صديقتي رسل الشاوش.

صور الكعك مأخوذة من مدونة We Are Food.